يقع كثير من الأبناء ضحية مزاجية الآباء في التربية، فنجد الأب يتعامل مع أبنائه حسب مزاجه، إذا كان مزاجه رائقًا، أصبح البيت رائقًا، أمّا إن كان غير ذلك، فإنا نراه كذلك، فهو يربيهم حسب ظروفه النفسية في تلك اللحظة. يدخل الأب البيت، فإذا كان هادئًا أخذ يتعامل مع أسرته ببساطة وهدوء، وبدون انفعال، وبدون خصام.. لا يدقق على شيء أبدًا، حتّى وإن كان الأكل غير جاهز! حتّى وإن كان البيت غير مرتب! حتّى وإن....! يمازح أبناءه، ويلاعبهم، ويداعبهم، يتحدثون إليه، ويستمع لهم، يحاورونه بكل حرية، يرد عليهم بهدوء ومحبة، يسود البيت جو المرح والدعابة والفكاهة والطرف. أمّا إذا دخل البيت وجوّه غير صافٍ، ومزاجه غير رائق فإنه يكثر الأسئلة والنقد، وسرعان ما يزعل، ويثور ويزمجر، وينفعل لأتفه الأسباب، حتّى أن ابنه الصغير الذي كان يمازحه، يأتي وفي باله ذكريات الأمس، ذكريات اللعب والمداعبة مع أبيه، وفجأة وبلا مقدمات يتغيّر عليه حال أبيه مئة وثمانين درجة، ويصبح الابن في دهشة، والبيت في رعب وخوف، الكل خائف ووجل حتّى الخادمة في غرفتها؛ يرقبون وقوع كارثة أسرية، فقد يتطوّر الأمر حتّى يصل إلى العنف الأسري، وما أدراك ما العنف الأسري، شدة وقسوة، ضياع وتشتت، وربما يؤدي ذلك إلى الانتقام -والعياذ بالله- ويقع ما لا تحمد عقباه، عندها لا تنفع الحسرة ولا الآه. إن للأب دورًا تربويًّا عظيمًا وحساسًا، يحتاج منه أن يكون حكيمًا، وأن يضبط نفسه وانفعالاته في جميع المناخات والأحوال الأسرية، يحتاج منه أن يكون هادئًا، حتى أثناء معالجته للمشكلة، مطلوب منه أن يربي بالكلمة، وبالتوجيه، وبالمتابعة، وإذا تطلّب الأمر العقاب البدني -رغم إني لا أميل إليه- فعليه أن يعاقب ليربي، وليس للتشفّي، وأن يكون العقاب في نفس اللحظة، عليه أن يحاور أبناءه، ويستمع لهم، فربما يكونون على حق، أو وجب عليه تصحيح مسارهم وتقويمه باللطف واللين إن كانوا غير ذلك. إن تربية الأبناء أمر ليس سهلاً، بل هو غاية في الصعوبة والأهمية، يحتاج للمتابعة المستمرة، ويعتبر الاستثمار الحقيقي اليوم في الأبناء، وليعلم الأب أنه مسئول عن تصرفات أبنائه أمام الله سبحانه وتعالى، ثم أمام المجتمع، فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته.
نشر في جريدة المدينة